ليس صحيحاً ما يقولونه من أن المشاكل الزوجية والخصام هي ملح الحياه ..!!
والمشاكل الزوجية والخصام بين الزوجين تشبه قُطّاع الطرق ..!!
إنها تقطع الطريق على السعادة، وتسلب راحة البال، وتهدِّد الأمن الداخلي والسلام، فوق هذا فإنها تظهر العيوب وتبرزها، وقد تبذر بذور الحقد في البيوت والقلوب ..
إنَّ الرجل حين تخلق له زوجته مشكلة، أو تخطئ عليه وتعكر صفوه.. سوف يكرهها في تلك اللحظة.. ويُبغضها ويبغض الحياة معها، وعندها ينطبق قول الشاعر:
وعينُ الرضا عن كُلِّ عيب كليلةُ
ولكنَّ عينَ السُّخط تبدي المساويا..!
بمعنى أن هذا الزوج مع غضبه منها وبغضه لها، ولو كان بغضاً وقتياً، سوف يرى عيوبها كلها بوضوح، وقد يُضخِّم تلك العيوب، فإن الخلافات الزوجية والمشكلات والخصام مجهر كريه يكبِّر العيوب من احدى النواحي، ويُصغِّر الحسنات من الناحية الأخرى حتى لا يكاد يراها..
ولا يوجد في العلاقات الإنسانية كلها، وفي الحياة الزوجية بشكل خاص، أسوأ من التركيز على العيوب والنقائص ونسيان المحاسن، ولا يوجد أسوأ مما يدعو إلى هذا، وهو الخصام والخلاف والمشكلات، فإن الرجل إذا أخذ يركز على عيوب زوجته ينفخ الغضب في تلك العيوب من حيث الكم والكيف.. يكبر الصغير.. ويظهر الخافي.. ويعظم اليسير.. ويخلق من الحبة قبة.. ومن اللاشيء شيئاً.. لأن الخلاف والخصام والمشكلات تعكر المزاج.. وإذا فسد مزاج الإنسان فسدت أحكامه.. ولم يَعد يرى سوى الكدر..
وإذا خرجت تلك المشاكل عن حدود الجدران الأربعة للبيت، وعلم بها آخرون، ولو كانوا أقرب المقربين، فإن الأمور تسوء أكثر، وشرر الحريق ينتشر، والكرامة تنجرح، ويصبح جرح الكرامة هنا هو المشكلة الكبرى، وقد تنسى المشكلة الأساسية وتصبح الكرامة المجروحة هي الكارثة..
وكم من بيت تهدّم، وزواج انتهى بطلاق، لأتفه المشكلات والخصام، بسبب اخراج المشكلة من بيت الزوجية، وإدخال الآخرين في الموضوع، حيث يغضب الرجل مرتين: الأولى من المشكلة ذاتها.. والثانية من اتساع دائرتها وتحويلها إلى ما يشبه الفضيحة ولو كانت صغيرة، فكأنها شرارة استطالت واستطارت فأصبحت حريق..
إن سمعة الإنسان وكرامته من الصعب المساومة عليها، ومجرد اخراج المشاكل من الدائرة الضيقة بين الزوجين، واطلاع الآخرين عليها، والشكوى لهم، يجعل المشكلة هنا تأخذ أبعاداً أسوأ وأخطر وأوخم عواقب، ويعرضها للمضاعفات الخطيرة، وكأن المشكلة هنا أصبحت كالجرح المفتوح المعرض للتلوث والجراثيم..
والمرأة إذا خاصمها زوجها أو اخطأ عليها وخلق لها مشكلة، تصاب بالصداع النفسي وتعب الأعصاب، وتبغض – في تلك اللحظة على الأقل – هذا الإنسان الذي نكد عليها وقتها وربما حياتها فهي تبالغ، والإنسان بشكل عام، رجلاً كان أم امرأة، يبالغ وقت الغضب..
والذي يحدث مع الرجل يحدث مع المرأة، فإنها حين تغضب من زوجها وتبغضه لا تعود ترى سوى عيوبه ومساوئه، بل ان المرأة هنا أكثر تطرفاً من الرجل، في الحب والبغض، وفي الأخير خاصة، ولو كان الأمر بشكل مؤقت، ولكن حتى “المؤقت” هنا يصيب القلب ببقع سوداء، ويفتح الذاكرة على النقائص والمساوئ، ويجعل الإنسان تصعب عليه نفسه، ويستكثر ما يحصل له، ويُحس بالاضطهاد، ويكره أن يحدث له، ويلازمه شعور الظلم، ويريد أن يزيله، وقد تجر الأمور بعضها بشكل مضاعفات أخطر من المرض الأصلي نفسه..
إن الحياة أقصر من أن نقصرها بالتوافه.. وإن الإنسان إذا لم يسترح في بيته فلن يستريح في أي مكان آخر.. وإذا لم يجد السلام هناك فأين يجده؟
إن (الراحة) أمر حيوي في كل مكان.. وفي البيت بالذات.. (راحة البال).. وشريك الحياة المقلق.. كثير الزعل.. يطرد الراحة طرداً من حياة شريكه.. ويصيبه بالقلق والتململ والعذاب.. ويجعله يعيش في دوامه وفي صراع.. ويكره هذا الوضع ومن أوصله إليه.. ويحس بالغبن.. وكل تلك المشاعر تضعف المقاومة.. وتنهك السعادة الزوجية.. وتنهش سلام البيت.. حتى تعود فتجعله لا يُطاق!
إذن فإن المشكلات الزوجية والجراحات والخصام.. ليست ملح الحياة الزوجية.. بل هي مآسي .. تمنع السعادة.. وتدفع إلى التفكير السلبي.. واحياء من العيوب ما مات.. وتذكّر ما نُسي.. وتكبير ما صغر.. واختلاق ما ليس له وجود.. والمبالغة في تقدير تضحية الغاضب وما قبلها من نكران وجحود من الطرف الآخر حتى يعم التشاؤم النفس، وتصد عن أي عمل ايجابي. ولو بشكل مؤقت.. وكلمة (مؤقت) تعني اقتطاع وقت من حياتنا الجميلة وأعمارنا القصيرة لنلقي به في أتون الغضب والقلق والخصام..
إن الراحة في الحياة الزوجية.. وسيادة السلام المنزلي الذي يهب السلام الداخلي، أمرٌ أساسي يحرص عليه العقلاء من الأزواج جداً..
ولا يعني هذا خلو حياتهم تماماً من الخلاف والخصام والمشكلات، ولكنه يعني محاصرة تلك الآفات إلى أبعد الحدود، في الكم والكيف، فلا تكون كثيرة في حياتهم، وإذا حدثت لا تطول، ولا يكبرونها حين تحدث، ولا يمكن أن يخرجوا بها من جدران البيت، بل لا يمكن أن يعلم بها الأولاد..
مع استخدام الإرادة القوية لصيانة الحياة الزوجية وتحقيق الراحة والسعادة.. بكبح جماح الغضب.. والتماس العذر للغاضب.. فإذا غضب الزوج ترضيه زوجته، وإذا غضبت الزوجة ارضاها الزوج.. يصبح ذلك سلوكاً جميلاً يعتادونه ويحبونه ويسيرون عليه.. فلا تكبر مشكلة.. ولا يطول خصام.. ولا تُفتح جروح.. ولا يحصل تلوث أو مضاعفات..
إن المشاكل الزوجية شر.. والعقلاء يتجنبون الشر ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وبكل الوسائل: يسدون الأبواب الموصلة إليه، ويضبطون سلوكهم وفق الأصول، ويحسنون أخلاقهم وأقوالهم حتى يعتادوا ذلك باستمرار، ويصرون على تحقيق السعادة والراحة بجهد إرادي واعٍ وبرنامج عمل.
فإذا حصل شر بعد ذلك حاصروه سريعاً.. وأطفأوا ناره قبل أن تحرق أي شيء..
والنار لا تُطفأ بالنار..
كتابة/ عبدالله الجعيثن، صحيفة الرياض.
تابعنا